مواعظ ابن رجب: خمولُ المحبين لمولاهم: شُهرة ..

2024-05-13 583 0 8,969 YouTube

Download Convert to MP3

قال ابن رجب - رحمه الله- في شرحه لحديث: (إن أغبط أوليائي) : "طاعة العبد لربه في السر دليل عَلَى قوة إيمانه وإخلاصه لربه، وكان النبي ﷺ يسأل ربه خشيته في السر والعلانية، وأفضل النوافل إسرارها، ولذلك فضلت صلاة الليل عَلَى نوافل الصلاة وفضلت صدقة السر عَلَى صدقة العلانية .. قال بعض السَّلف: ما أعتد بما ظهر من عملي، وحب الإسرار بالطاعة من علامات المحبين لمولاهم .. قال مخلد بن الحسين: ما أَحَبّ الله عبدٌ فأحب أن يعرف الناس مكانه. ... وفي حديث سعد عن النبي ﷺ: «إن الله يحب العبد الغني التقي الخفي» . وفي حديثه أيضًا: «خير الرزق ما يكفي وخير الذكر الخفي» . وفي حديث معاذ المرفوع : «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَبْرَارَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَخْفِيَاءَ الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُدْعَوْا وَلَمْ يُعْرَفُوا، مَصَابِيحُ الْهُدَى يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ» خرّجه ابن ماجه. وفي حديث آخر: «رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» قال ابن مسعود: كونوا ينابيع العِلْم مصابيح الظلام، جُددُ القلوب خلقان الثياب، تعرفون في أهل السماء، وتخفون عَلَى أهل الأرض .. ... طوبى لعبدٍ طوبى لعبد بحبل الله معتصم عَلَى صراط سويٍّ ثابت قدمه رثُّ اللباس جديدُ القلب مستترٌ في الأرض مشتهر فوق السماء اسمه ما زال يحتقر الأولى بهمته حتى ترَّقت إِلَى الأخرى به هممه فذاك أعظم من ذي التاج متكئًا عَلَى النمارق مختلفًا به خدمه . قال بعضهم: ما اتَّقى الله من أَحَبّ الشهرة. وكان أيوب السختياني يقول: ما صدق عبدٌ إلا أَحَبّ أن لا يشعر بمكانه. ولما اشتهر بالبصرة كان إذا خرج إِلَى موضع يتحرى المشي في الطرقان الخالية، ويجتنب سلوك الأسواق والمواضع التي يعرف فيها. .. ولما اشتهر ذكر الإمام أحمد، اشتد غمه وحزنه، وكثر لزومه لمنزله، وقل خروجه في الجنائز وغيرها، خشية اجتماع الناس عليه. وكان يقول: طوبى لمن أخمل الله ذكره. وكان ابن مسعود يقول لمن تبعه: لو تعلمون ما أغلق عليه بابي لم يتَّبعني منكم أحد. مشى قومٌ مع معروف إِلَى بيته، فلما دخل قال لهم: مشيُنا هذا كان ينبغي لنا أن نتقيه، أليس جاء في الخبر: «أنَّه فتنة للمتبوع مذلة للتابع». وكان بعض العُلَمَاء في مجلسه فقام، فاتبعه جماعة فأعجبه ذلك، فرأى تلك الليلة في منامه قائلا يقول: سيعلمُ من يُحبُّ أن يُمشى خلفه غدًا. ورئي سفيان في النوم بعد موته فقِيلَ لَهُ: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قِيلَ لَهُ: هل رأيت شيئًا تكرهه؟ قال: نعم، الإشارة بالأصابع -يعني قول الناس هذا سفيان- .. الإشارة إِلَى الرجل بالأصابع فتنة، وإن كان في الخير. وفي الحديث «كَفَى بِالْمَرْءِ شَرًّا أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فِي دِينهِ أَوْ دُنْيَاهُ، إِلَّا مَن عَصَمَهُ اللَّهُ». كان بعض التابعين إذا جلس إِلَيْهِ أكثر من ثلاثة أنفس قام خوف الشهرة . وكان علقمة يكثر الجلوس في بيته فقِيلَ لَهُ: ألا تخرج فتحدث الناس. فَقَالَ: أكره أن يوطأ عقبي ويقال: هذا علقمة، هذا علقمة. وهذا هو الذكر الخفي المشار إِلَيْهِ في حديث سعد، وهو من أعظم نعم الله عَلَى عبده المؤمن، الَّذِي رزقه نصيبًا من ذوق الإيمان، فهو يعيش به مع ربه عيشًا طيبًا، ويحجبه عن خلقه حتى لا يُفسدُوا عليه حاله مع ربه، فهذه هي الغنيمة الباردة، فمن عرف قدرها وشكر عليها فقد تمت عليه النعمة. وقال مطرف: انظروا قومًا إذا ذكروا ذكروا بالقراءة، فلا تكونوا منهم، وانظروا قومًا إذا ذكروا ذكروا بالفجور فلا تكونوا منهم، وكونوا بين ذلك. كم بين حال هؤلاء الصادقين وبين من يسعى في ظهوره بكل طريق، باستجلاب قلوب الملوك وغيرهم، لكن إذا حقت الحقائق تبين الخالص من البهرج. إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى رائحة الإخلاص كرائحة البخور الخالص، كلما قوي ستره بالثياب، فاح وعبق بها، ورائحة الرياء كدخان الحطب، يعلو إِلَى الجو ثم يضمحل وتبقى رائحته الكريهة. كلما بليت أجسام الصادقين في التراب فاحت رائحة صدقهم فاستنشقها الخلق. كما اجتهد المخلصون في إخفاء أحوالهم عن الخلق، وريح الصدد تنم عليهم. كم يقول لسان الصادق: لا لا، وحاله ينادي: نعم نعم، ولسان الكاذب يقول: نعم نعم، وحاله ينادي عليه: لا لا. كما اجتهد الإمام أحمد عَلَى أن لا يذكر، وأبى الله إلا أن يُشهرهُ ويقرن الإمامة باسمه عَلَى ألسنة الخلق شاءوا أو أبوا، وكان في زمانه من يعطي الأموال لمن ينادي باسمه في الأسواق ليشتهر، فما ذكر بعد ذلك ولا عرف . . خمول المحبين لمولاهم شهرة، وذلُّهم بين يديه عزُّ، وفقرٌ أليه الغنى الأكبر.." #مواعظ_ابن_رجب

coinpayu
Loading...